حكم الحكماء

يقول احد هؤلاء الحكماء «قبل ان تتحدث اسأل نفسك: هل من اللياقة والضرورة ان اتكلم لأقطع هذا الصمت؟!».

وهل يسأل احدنا نفسه هذا السؤال الحكيم، قبل ان ينطلق ويستطرد بالحديث خيره وشره في احد اللقاءات الحميمية اليومية مع الأهل والاحباب، او في احدى الندوات الادبية الخاصة أو العامة، او في احد المؤتمرات الرسمية، او خلال اي لقاء ثقافي آخر، او حتى في جلسات الديوانيات الجادة والعادية وغيرها من التجمعات الاخرى؟!

يقول آخر «ليست الشجاعة ان تقابل الفشل في اي امر كان، في الصراخ والغضب والاحتجاج، انما الشجاعة ان تتقبل الحالة بروح رياضية تهمس لنفسك: سأحاول ان اعيد هذه التجربة في اقرب فرصة ممكنة، ولن أيأس، ولِمَ لا تكون صباح الغد؟!».. اعتقد ان اغلبنا، حينما يصافحه الفشل، يسكنه اليأس وتنتابه حالة من الهياج والغضب والزعل ويسيطر عليه الاكتئاب.. وقلة منا هي التي تحاول اعادة تلك التجربة مرة اخرى بنوع من الاصرار والتفاؤل.

يقول البرت بايك «ما فعلناه لأنفسنا سيموت معنا وما فعلناه للآخرين سيبقى خالداً».. اعتقد ان اغلبنا في ظل الأوضاع الحياتية الحالية يفضل ان يعيش ليومه ويعمل لنفسه فقط، متناسياً ان هناك آخرين.. أو ما يسمى بالأعمال الخالدة.. أو أن هناك اجيالاً قادمة!!

يقول احد العقلاء «حينما ننجز عملاً خلاقاً ناجحاً، او ابداعاً عظيماً، يجب ألا ننسى للحظة ان هناك مَنْ مدَّ لنا يد المساعدة.. فالنجاح دائماً يحتاج الى اكثر من يد».. هل حقاً نحن نشكر ونذكر مَنْ بسط لنا يد المساعدة، ام نتهرب ونغفل هذه الأيادي الطيبة المعطاءة التي صنعت نجاحاتنا؟!

يقول أحد الفلاسفة «الاعتزاز والفخر بالنفس هو ان تفعل ما يعتقد الناس انك لا تستطيع ان تفعله».. صدق ذلك الفيلسوف، فمن حق الانسان ان يفرح ويفتخر بوجوده الإنساني ويعتز بنفسه حين ينجز عملاً خلاقاً لا يتوقعه الاخرون منه، اما ان يفتخر بنفسه ويتعالى على الآخرين، حين يؤدي عملاً عادياً بسيطاً، فاعتقد انه نوع من السذاجة وقلة الوعي والادراك!

ويقول آخر «التجربة مدرسة صعبة، لانها تعطي الامتحان اولاً.. ثم الدرس بعد ذلك».. يا له من قول جميل، فهل فعلاً استوعبنا هذه المقولة وتعلمنا من تجاربنا الحياتية اليومية دروساً عظيمة تنفعنا؟!

يقول احد العظماء «إذا تجرد قلب الانسان من طبيعته اصبح انسانا قاسيا».. ترى ما نسبة هؤلاء القساة الذين تحجرت قلوبهم وهربت ضمائرهم، وجمدت عواطفهم، وتبعثرت احاسيسهم، وغفت مشاعرهم، في فوضى عالم اليوم، عالم القسوة العابثة التي تتلاعب في الإنسان الحر إحساسا وشعورا وجسدا؟!

اما الإمام الشافعي - يرحمه الله - فيقول «ان رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، هل توجد اروع من هذه المقولة الانسانية الحضارية الراقية، المغرقة باحترام الرأي والرأي الآخر، أليس ما يعنيه الإمام الشافعي في مقولته الحكيمة هذه، هو حوار الحضارات؟! فلماذا، بربكم، لا نتحاور بدلا من ان نتصارع؟!